الخميس 29/11/2007
بقلم: الدكتورعلي أبو الحسن
في 29 تشرين الثاني عام 1947 قررت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين رغماً عن إرادة أصحابها العرب الأصليين ودون استشارتهم.
كتب أرنولد توينبي الذي كان قبل أن يصبح مؤرخاً عالمياً بارزاً قد عالج مسألة انتداب بريطانيا على فلسطين بشكل مباشر في وزارة الخارجية البريطانية قبل عام 1964 ما يلي: (لو كانت فلسطين قد بقيت تحت الحكم التركي العثماني أوأحد ألويتها لأصبحت دولة عربية مستقلة في عام 1918 ولما سمح أبداً للمهاجرين اليهود بالدخول إلى فلسطين بأعداد كبيرة تكفي لتمكينهم من قهر العرب الفلسطينيين في بلد هذا الشعب العربي نفسه وقال: إن السبب الذي يرجع إليه وجود دولة اسرائيل اليوم والذي من أجله أصبح مليون ونصف المليون عربي فلسطيني( احصاء يومها) لاجئين هو أن السلطة العسكرية البريطانية فرضت هجرة اليهود لمدة ثلاثين عاماً على العرب الفلسطينيين حتى أصبح عدد المهاجرين اليهود كافياً وأصبحوا مسلحين تسليحاً جيداً على نحو كاف يمكنهم من حماية أنفسهم بما لديهم من دبابات وطائرات.
وكان وزير خارجية بريطانيا قد قرر عام 1947 بواسطة مجلس العموم البريطاني وتحديداً في 18 شباط 1947 أثناء خطاب له قال فيه:
واجهت الحكومة البريطانية تصادماً شديداً في المبادئ حيث يوجد في فلسطين نحو مليون ومئتي ألف عربي وستمئة ألف يهودي. ويرى اليهود إن النقطة الجوهرية في مبادئهم هي إيجاد دولة يهودية ذات سيادة. ويرى العرب أن النقطة الجوهرية في مبادئهم هي مقاومة تأسيس دولة يهودية ذات سيادة في أي جزء من فلسطين حتى النهاية وقال: لقد أظهرت مناقشات الشهر الماضي بوضوح عدم وجود أمل في حل هذا التصادم بأية تسوية تنتج عن مفاوضات بين الفريقين, أما إذا أريد حل التصادم بقرار تعسفي فليست للحكومة البريطانية صلاحية بموجب الانتداب لإعطاء البلاد إلى العرب أو إلى اليهود أو تقسيمها بينهما.. ولذلك يضيف وزير خارجية بريطانيا: لأننا لا نستطيع قبول أي من الخطط التي تقدم بها العرب واليهود أو فرض حل نضعه نحن, ولذلك توصلنا إلى أن الطريق الوحيد المفتوح أمامنا هو وضع المشكلة أمام قضاء الأمم المتحدة, وفي عرفنا وضح خلاصة تاريخية عن طريقة قيام الحكومة البريطانية بأعباء أمانتها في فلسطين.. خلال ال 25 سنة الماضية وسنطلب من الأمم المتحدة أن تدرس تقريرنا وتوصي بتسوية تاريخيةللمشكلة ولكننا لا ننوي الإيصاء بأي حل.
وفي الثامن من نيسان 1947 طلبت الحكومة البريطانية من الأمين العام للأمم المتحدة أن تدرج قضية فلسطين ضمن جدول أعمال الجمعية العامة وفي دورتها السنوية العادية وحتى تتفادى التأخير طلب عقد دورة طارئة لتشكيل لجنة خاصة لإعداد تقرير عن قضية فلسطين لطرحه في الدورة الثانية للجمعية العامة.
وقد تمت موافقة الأعضاء بالأكثرية على الطلب وعندما رأت الدول العربية الخمس الأعضاء في الأمم المتحدة أن الاجتماع قد تقرر طلبت من الأمين العام وتريغفلي في 21 و 22 نيسان أن يتضمن جدول الأعمال بنداً إضافياً يقصد منه إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان استقلالها وتم تشكيل لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين (وانسكوب )لدراسة الوضع في فلسطين وتقديم تقرير عنه من أحد عشر عضواً, وقد استبعدت الدول الخمس الكبرى من عضويتها حتى لا يوضع تقرير متحيز من جهة ولإبعاد الاتحاد السوفييتي عن ساحة الصراع في الشرق الأوسط والحد من نفوذه والدول التي اشتركت باللجنة هي كندا, تشيكوسلوفاكيا,استراليا, الهند, هولندا, إيران, البيرو, السويد, يوغسلافيا, غواتيمالا, الأورغواي, وعين القاضي السويدي (ساندستروم) رئيساً لها وخولت اللجنة صلاحيات في جميع القضايا والمسائل المرتبطة بمشكلة فلسطين على أن يتم تقديم تقرير إلى الجمعية العامة في دورة أيلول .1947 وفي 23 أيلول 1947 قررت هذه اللجنة أن تدعو كلاً من الهيئة العربية العليا لفلسطين والوكالة اليهودية لحضور المناقشات والإدلاء برأيهما.
امتدت المناقشات حول فلسطين من 26 أيلول حتى 21 من تشرين الأول وقد تكلم مندوب الهيئة العربية العليا لفلسطين رجائي الحسيني أمام اللجنة قائلاً: (إن حقوق عرب فلسطين قد تعرضت لما لا يقل عن ثمانين تحقيقاً خلال الانتداب ولم تؤد هذه التحقيقات إلى نتيجة, وحتى بعض التوصيات القليلة التي جاءت في صالح العرب تجاهلت سلطة الانتداب تطبيقها لذلك فإن رفض الهيئة العربية العليا التعاون مع لجنة التحقيق الدولية وهي اللجنة التاسعة عشرة أمر لا يدعو إلى الدهشة, ثم حلل رفض اليهود لأي مكان آخر باستثناء فلسطين لا لأنهم أرادوا بفلسطين حلاً دائماً للمشكلة اليهودية ولكن لأنهم أرادوا السلطة وقد كانوا يملكون المطامع والمخططات السياسية بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لفلسطين.
وفي المناقشات العامة للأمم المتحدة تحدث عدد من المندوبين العرب وعلى الرغم من المنطق والحق الذي استند إليه المندوبون العرب وعلى الرغم من جهودهم ومحاولاتهم المستمرة فقد شهد التصويت على مشروع التقسيم مناورات جشعة ومساومات قذرة وإرهاباً وشراء للذمم, وقد وصف ذلك الانحطاط الأخلاقي (لورنس سميث) عضو الكونغرس الأميركي يومها فقال: (إن ما حدث في هيئة الأمم المتحدة إبان اجتماعاتها التي سبقت التصويت على التقسيم عندما كان لا بد من تأمين ثلثي الأصوات لتصديق القرار وحيث جعل التصويت مرتين كي يمارس الضغط على مندوبي ثلاث دول صغيرة هي : هاييتي وليبريا والفلبين التي صوتت بالموافقة حيث تم ذلك بتأمين أغلبية الثلثين اللازمة وكانت هذه الدول الثلاث قد عارضت مشروع التقسيم ولكن الضغوط التي مورست من قبل مندوبينا ومواطنينا الأميركيين كانت تصرفاً ذميماً يستوجب العقاب).
وفي مساء يوم الاربعاء 26 تشرين الثاني أوشك التصويت أن يجرى في الجمعية العامة ولو طرح التقسيم في نفس اليوم لسقط دون أن ينال الأكثرية المطلوبة وقد تحدث مندوبو اليونان والسويد والفلبين وهاييتي ضد التقسيم لكن تأجيل التصويت والضغوط الصهيونية الأميركية جعلت بعض الدول تصوت إلى جانب التقسيم على الرغم من عدم قناعتها ومعارضتها داخلياً له. وهكذا كانت فلسطين على المشرحة الدولية في ذلك اليوم من شهر تشرين الثاني لعام 1947 أي قبل ستين عاما ً تحديداً. أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع التقسيم في 29 تشرين الثاني 1947 وكان يوم السبت بأغلبية 33 صوتاً ضد 13 وامتنعت عشر دول عن التصويت من بينها وياللعجب بريطانيا صاحبة أقذر دور في التاريخ بفلسطين حيث حاولت يومها تمويهاً وتضليلاً أن تظهر بمظهر المحايد فامتنعت عن التصويت.
وقد نص ذلك القرار الجائر قرار تقسيم فلسطين العربية الحبيبة على: أولاً: ينهى الانتداب على فلسطين في أقرب وقت ممكن على ألا يتاخر في أي حال من الأحوال عن شهر آب 1948( خطة مرسومة).
ثانياً: يجب أن تجلو القوات المسلحة التابعة للسلطة المنتدبة أي البريطانية عن فلسطين بالتدريج ويتم الانسحاب في أقرب وقت ممكن على ألا يتأخر في أي حال من الأحوال عن الأول من شهر آب 1948 حيث يجب أن تعلم السلطة المنتدبة اللجنة في أبكر وقت ممكن بنيتها إنهاء الانتداب والجلاء عن كل منطقة.
تبذل السلطة المنتدبة أفضل مساعيها لضمان الجلاء عن منطقة واقعة في أراضي الدولة اليهودية تضم ميناء بحرياً وأرضاً خلفية كما تبين لتوفير تسهيلات هجرة يهودية كبيرة إلى فلسطين وذلك في أبكر موعد ممكن على ألا يتأخر في أي من حال عن الأول من شباط لعام .1948
ثالثاً: تنشأ في فلسطين الدولتان المستقلتان العربية واليهودية والحكم الدولي الخاص بمدينة القدس وذلك بعد شهرين من إتمام جلاء القوات المسلحة التابعة للسلطة البريطانية المنتدبة على ألا يتأخر ذلك في أي حال عن الأول من تشرين الأول .1948
رابعاً: تكون الفترة ما بين تبني الجمعية العامة توصيتها بشأن مسألة فلسطين وتوطيد استقلال الدولتين العربية واليهودية فترة انتقالية.
كان رفض العرب لمشروع التقسيم رفضاً قاطعاً كما كان يوم التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1947 اسوأ يوم في تاريخ فلسطين منذ الاحتلال العسكري البريطاني لها ولا أنسى ما حييت ليلة صدور قرار التقسيم في 29-11-1947 كيف خرجت وأنا طفل صغير مع جميع أفراد عائلتي ليلاً ومعنا كل أبناء حيفا الحبيبة نتظاهر ضد تقسيم وطننا, يوم خرجت أيضاً كل مدن وقرى فلسطين العربية ليلاً أيضاً احتجاجاً على ذلك القرار الدولي الجائر فلم نرض أن يشاركنا الغرباء اليهود حياتنا الوادعة الهنيئة فوق أرض آبائنا وأجدادنا, فكيف نرضى اليوم وبعد ستين عاماً بأن نحرم من تلك الحياة ونترك فلسطين لهؤلاء الأعداء كلها. كيف.. كيف.. كيف? هذا سؤال أوجهه لهؤلاء اليائسين الذين لديهم استعداد للتخلي عن وطننا وعن حقنا في أن نعود إليه.
وقد بينت الهيئة العربية العليا لفلسطين معارضتها وثورتها على التقسيم استناداً على ما يلي:
1-أن هذا القرار الظالم أعطى اليهود والأجانب جزءاً ثميناً من بلادنا العربية.
2- أجلى عدداً كبيراً من العرب عن موطن إقامتهم.
3- وضع على وطنهم أو في وطنهم أناساً غرباء يهددون الأمن في الشرق الأوسط باعتداءاتهم على البلاد العربية المجاورة( نظرة مستقبلية).
4-فرق بين عرب فلسطين وأبناء أمتهم العربية المجاورين لفلسطين.
5-وضع أصحاب فلسطين الأصليين اقتصادياً تحت رحمة اليهود بعد استيلائهم على موانىء فلسطين ونفط العراق ومعامل التكرير في حيفا ثم استيلائهم على الأراضي الزراعية الخصبة وإعطاء العرب القسم الوعر من الجبال.
6-جعل مدينة القدس عاصمة فلسطين تحت إشراف الأمم المتحدة أي إخراجها من يد العرب.
وهكذا بعد صدور ذلك القرار كان لابد من نشوب القتال بين أصحاب فلسطين وإخوتهم أبناء أمتهم العربية وبين هؤلاء اللقطاء اليهود حيث كان موقف حكومة الانتداب البريطانية هو موقف المتحيز لليهود وكيف لا وهي صاحبة وعد بلفور القاضي بإنشاء وطن لليهود على كل فلسطين ولم يكن قرار التقسيم إلا الغطاء والمرحلة الأولى للاستيلاء على فلسطين كلها ولهذا كان لابد من الكفاح المسلح ضد تقسيم أرض الوطن الواحدة, فلسطين) ونشبت الاضطرابات وتقرر توزيع القوات المشاركة في الحرب في تنظيمين, الأول, جيش الإنقاذ أو جيش التحرير الذي كلف بتشكيله الفريق طه الهاشمي واللواء اسماعيل علي صفوت والقائد فوزي القاوقجي والذي قوامه الضباط والجنود المتطوعين العرب فيدربون في معسكر قطنا غرب عاصمة العرب دمشق بإشراف اللجنة العسكرية.
والثاني جيش المجاهدين الفلسطينيين الذي يعمل داخل فلسطين تحت إشراف الهيئة العربية العليا وسمي جيش الجهاد المقدس وعهد بقيادته لشهيد معركة القسطل بعد ذلك عبد القادر الحسيني يساعده الشيخ حسن سلامة وعدد من الرجال المشهود لهم بالبسالة والخبرة من قواد المناطق في فلسطين يعاونهم عدد من الضباط العرب السوريين والعراقيين.
وبحلول عام 1948 كانت الأمم المتحدة منشغلة بقضية فلسطين فأوفدت الكونت برنادوت الذي عينته الأمم المتحدة وسيطاً في يوم إنهاء الانتداب للإشراف على وقف إطلاق النار ولتشجيع إيجاد تسوية سلمية في فلسطين وقد رفضت الدول العربية يومها طلباً اسرائيلياً للتفاوض المباشر.. يومها, كان قد أحيل إليها عن طريق برنادوت الذي اقترح تعزيز المنطقة العربية بضم النقب إليها بينما يستحوذ اليهود على منطقة الجليل. أما القدس فتوضع تحت إدارة الأمم المتحدة. وقد رفض العرب باستثناء الأردن واسرائىل هذا المشروع واقترح برنادوت تدابير أخرى ولكن قبل أن تتمكن الأمم المتحدة من العمل بتوصية برنادوت اغتالته إحدى العصابات الصهيونية وهي عصابة شتيرن في أحد شوارع القدس العاصمة فلسطين .
هذه قصة قرار تقسيم فلسطين الأممي
ولتعلم الدنيا كلها أن حقنا في فلسطين واضح وضوح الشمس وأحرار الدنيا كلهم وشعوب الأرض يعلمون أن فلسطين لنا, لنا نحن العرب ونحن أصحابها ولابد أن نعود إليها يوماً, عاجلاً أم آجلاً في صراع أمة وأن القضية الفلسطينية ستبقى القضية المركزية لأمتنا العربية فكل شبر في فلسطين مجبول بدماء كل العرب من مشرق الوطن العربي إلى مغربه. أو ليس من حقنا بعد هذا الظلم التاريخي الدولي ضدنا أن نقول إن علم الأمم المتحدة ملطخ بدماء العرب?.